قصيدة الطين ايليا ابو ماضي - المرساة

قصيدة الطين ايليا ابو ماضي

جوجل بلس

قصيدة الطين ايليا ابو ماضي ، اشتهرت قصيدة الطين في الوطن العربي بجمالها وأسلوبها المميز ، حتى تم إدخالها في المناهج الدراسية وأصبحت مادة علمية للطلاب ليتأملوا فيها مجالات الإبداع ويكتشفوا كنوز معانيها ، وفي هذا المقال سيتناول المقال التالي الحديث عن القصيدة من خلال مقدمة موجزة عن صاحبها الشاعر إيليا أبو ماضي بالإضافة إلى إدراج نص القصيدة كاملة يتبعها شرح مبسط لمعانيها ورموزها.

إيليا أبو ماضي

شاعر معاصر لبناني الأصل، وهو من أبرز شعراء المهجر الذين أسسوا للرابطة القلمية هناك، فقد غادر إيليا لبنان إلى الاسكندرية في سن مبكرة ومنها ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية. عمل في الصحافة وأسس مجلة السمير التي أصبحت فيما بعد صحيفة يومية، بينما كتب الشعر في أوقات فراغه لينشر أول دواوينه الشعرية في أثناء إقامته بالاسكندرية تحت عنوان (تذكار الماضي)، وفي عام 1920 تعاون مع أصدقاءه الأدباء العرب المهاجرين وعلى رأسهم جبران خليل جبران لتأسيس الرابطة القلمية التي صدَّرت فيما بعد إنتاجهم الأدبي ونظرتهم الشعرية الخاصّة. فارق إيليا أبو ماضي الحياة في الثالث عشر من نوفمبر عام 1957م إثر نوبة قلبية، بعد أن ترك إرثا أدبيا مهمًّا يحكى بأمره بسبب ما اتسم به من عذوبة ولغلبة الطابع الوجداني عليه وعمق النظرة الفلسفية فيه.

قصيدة الطين إيليا ابو ماضي

تعد قصيدة الطين من أجمل القصائد التي كتبها الشاعر إيليا أبو ماضي، وهي من الشعر العربي المميز الذي يكثر دورانه بين الألسنة وتدارسه لدى الفئات المثقفة ودارسي الأدب والمهتمين به، وفيما يلي نص القصيدة كاملة كما جاءت في الديوان:

نَسِيَ الطينُ ساعَةً أَنَّهُ طينٌ
حَقيرٌ فَصالَ تيها وَعَربَد
وَكَسى الخَزُّ جِسمَهُ فَتَباهى
وَحَوى المالَ كيسُهُ فَتَمَرَّد
يا أَخي لا تَمِل بِوَجهِكَ عَنّي
ما أَنا فَحمَة وَلا أَنتَ فَرقَد
أَنتَ لَم تَصنَعِ الحَريرَ الَّذي
تَلبَس وَاللُؤلُؤَ الَّذي تَتَقَلَّد
أَنتَ لا تَأكُلُ النُضارَ إِذا جِع
ت وَلا تَشرَبُ الجُمانَ المُنَضَّد
أَنتَ في البُردَةِ المُوَشّاةِ مِثلي
في كِسائي الرَديمِ تَشقى وَتُسعَد
لَكَ في عالَمِ النَهارِ أَماني
وَرُأى وَالظَلامُ فَوقَكَ مُمتَد
وَلِقَلبي كَما لِقَلبِكَ أَحلا
مٌ حِسانٌ فَإِنَّهُ غَيرُ جَلمَد
أَأَمانِيَّ كُلَّها مِن تُرابٍ
وَأَمانيكَ كُلَّها مِن عَسجَد
وَأَمانِيَّ كُلُّها لِلتَلاشي
وَأَمانيكَ لِلخُلودِ المُؤَكَّد
لا فَهَذي وَتِلكَ تَأتي وَتَمضي
كَذَويها وَأَيُّ شَيءٍ يُؤَبَّد
أَيُّها المُزدَهي إِذا مَسَّكَ السُقــ
ـمُ أَلا تَشتَكي أَلا تَتَنَهَّد
وَإِذا راعَكَ الحَبيبُ بِهَجرٍ
وَدَعَتكَ الذِكرى أَلا تَتَوَجَّد
أَنتَ مِثلي يَبَشُّ وَجهُكَ لِلنُعمى
وَفي حالَةِ المَصيبَةِ يَكمَد
أَدُموعي خِل وَدَمعُكَ شَهدٌ
وَبُكائي زُل وَنَوحُكَ سُؤدُد
وَاِبتِسامي السَرابُ لا رَيَّ فيهِ
وَاِبتِساماتُكَ اللَآلي الخَرَّد
فَلَكٌ واحِدٌ يُظِلُّ كِلَينا
حارَ طَرفي بِه وَطَرفُكَ أَرمَد
قَمَرٌ واحِدٌ يُطِلُّ عَلَينا
وَعَلى الكوخ وَالبِناءِ المُوَطَّد
إِن يَكُن مُشرِقاً لِعَينَيكَ إِنّي
لا أَراهُ مِن كُوَّةِ الكوخِ أَسوَد
النُجومُ الَّتي تَراها أَراها
حينَ تَخفى وَعِندَما تَتَوَقَّد
لَستَ أَدنى عَلى غِناكَ إِلَيها
وَأَنا مَعَ خَصاصَتي لَستُ أُبعَد
أَنتَ مِثلي مِنَ الثَرى وَإِلَيهِ
فَلِماذا يا صاحِبي التيه وَالصَد
كُنتَ طِفلاً إِذ كُنتُ طِفلا وَتَغدو
حينَ أَغدو شَيخاً كَبيراً أَدرَد
لَستُ أَدري مِن أَينَ جِئت وَلا ما
كُنتُ أَو ما أَكونُ يا صاحِ في غَد
أَفَتَدري إِذَن فَخَبِّر وَإِلّا
فَلِماذا تَظُنُّ أَنَّكَ أَوحَد
أَلَكَ القَصرُ دونَهُ الحَرَسُ الشا
كي وَمِن حَولِهِ الجِدارُ المُشَيَّد
فَاِمنَعِ اللَيلَ أَن يَمُدَّ رَواقاً
فَوقَه وَالضَبابَ أَن يَتَلَبَّد
وَاِنظُرِ النورَ كَيفَ يَدخُلُ لا يَط
لُبُ أُذناً فَما لَهُ لَيسَ يُطرَد
مرقَدٌ واحِدٌ نَصيبُكَ مِنهُ
أَفَتَدري كَم فيكَ لِلذَرِّ مَرقَد
ذُدتَني عَنه وَالعَواصِفُ تَعدو
في طِلابي وَالجَوُّ أَقتَمَ أَربَد
بَينَما الكَلبُ واجِدٌ فيهِ مَأوىً
وَطَعاما وَالهُرُّ كَالكَلبِ يُرفَد
فَسَمِعتُ الحَياةَ تَضحَكُ مِنّي
أَتَرَجّى مِنك وَتَأبى وَتُجحِد
أَلَكَ الرَوضَةُ الجَميلَةُ فيها
الماء وَالطَير وَالأَزاهِر وَالنَد
فَاِزجِرِ الريحَ أَن تَهُز وَتَلوي
شَجَرَ الرَوضِ إِنَهُ يَتَأَوَّد
وَاِلجُمِ الماءَ في الغَدير وَمُرهُ
لا يُصَفِّق إِلّا وَأَنتَ بِمَشهَد
إِنَّ طَيرَ الأَراكِ لَيسَ يُبالي
أَنتَ أَصغَيتَ أَم أَنا إِن غَرَّد
وَالأَزاهيرُ لَيسَ تَسخَرُ مِن فَق
ري وَلا فيكَ لِلغِنى تَتَوَدَّد
أَلَكَ النَهرُ إِنَّهُ لِلنَسيمِ الرَط
بِ دَرب وَلِلعَصافيرِ مَورِد
وَهوَ لِلشُهبِ تَستَحِمُّ بِهِ في الصَي
فِ لَيلاً كَأَنَّها تَتَبَرَّد
تَدَّعيهِ فَهَل بِأَمرِكَ تَجري
في عُروقِ الأَشجارِ أَو يَتَجَعَّد
كانَ مِن قَبلُ أَن تَجيء وَتَمضي
وَهوَ باقٍ في الأَرضِ لِلجَزر وَالمَد
أَلَكَ الحَقلُ هَذِهِ النَحلُ تَجني
الشَهدَ مِن زَهرِه وَلا تَتَرَدَّد
وَأَرى لِلنِمالِ مُلكاً كَبيراً
قَد بَنَتهُ بِالكَدحِ فيه وَبِالكَد
أَنتَ في شَرعِها دَخيلٌ عَلى الحَق
ل وَلِصٌّ جَنى عَلَيها فَأَفسَد
لَو مَلَكتَ الحُقولَ في الأَرضِ طُرّاً
لَم تَكُن مِن فَراشَةِ الحَقلِ أَسعَد
أَجَميلٌ ما أَنتَ أَبهى مِنَ الوَر
دَةِ ذاتِ الشَذى وَلا أَنتَ أَجوَد
أَم عَزيز وَلِلبَعوضَةِ مِن خَدَّي
كَ قوت وَفي يَدَيكَ المُهَنَّد
أَم غَنِيٌّ هَيهاتِ تَختالُ لَولا
دودَةُ القَزِّ بِالحَباءِ المُبَجَّد
أَم قَوِيٌّ إِذَن مُرِ النَومَ إِذ يَغـ
ـشاك وَاللَيلُ عَن جُفونِكَ يَرتَد
وَاِمنَعِ الشَيبَ أَن يَلِمَّ بِفَو
دَيك وَمُر تَلبُثِ النَضارَةُ في الخَد
أَعَليمٌ فَما الخَيالُ الَّذي يَطـ
ـرُقُ لَيلاً في أَيِّ دُنيا يولَد
ما الحَياةُ الَّتي تَبين وَتَخفى
ما الزَمانُ الَّذي يُذَم وَيُحمَد
أَيُّها الطينُ لَستَ أَنقى وَأَسمى
مِن تُرابٍ تَدوسُ أَو تَتَوَسَّد
سُدتَ أَو لَم رَسُد فَما أَنتَ إِلّا
حَيَوانٌ مُسَيَّرٌ مُستَعبَد
إِنَّ قَصراً سَمَكتُهُ سَوفَ يَندَكُّ
وَثَوباً حَبَكتَهُ سَوفَ يَنقَد
لا يَكُن لِلخِصامِ قَلبَكَ مَأوىً
إِنَّ قَلبي لِلحَبيبِ أَصبَحَ مَعبَد
أَنا أَولى بِالحُبِّ مِنك وَأَحرى
مِن كِساءٍ يَبلى وَمالٍ يَنفَد

الرمز في قصيدة الطين

ربما كان أبرز جماليات قصيدة الطين لصاحبها إيليا أبو ماضي أنها تحمل رموزا مهمة توحي بمعان عميقة وضعها الشاعر في قالب بسيط من الكلام حقق فيه معادلة السهل الممتنع، فلا بد لكل قارئ لها أن يلمح شيئا من المعاني البعيدة التي رمى إليها الشاعر في قصيدته، فالقصيدة التي تدور حول الطين ترمز به إلى الإنسان الذي خلق منه وإليه سيعود، وهذا الرمز يبدو واضحا من الصفات التي أسقطها الشاعر على هذا العنصر والحوار الذي وجهه إليه وكأنه يؤنسن الطين ويحوله إلى بشر فيه من صفاتهم الكبر والغرور، حيث تحمل لهجة الشاعر التوبيخ لبني البشر ممن نسوا أصلهم الإنساني فذكرهم بحقيقتهم وبسماتهم البشرية التي لن يختلفوا فيها عن أحد مهما امتلكوا من المال والجاه ومهما تظاهروا بالقوة والثبات فجميعهم زائلون وكل ما يملكون أيضا إلى زوال. فهذه القصيدة الرائعة هي نظرة عميقة إلى حقيقة الإنسان صبّها إيليا أبو ماضي في أيسر معنى وأقرب عبارة للقارئ ليتعظ المتكبرون ويعود الواهمون المغترون سيرتهم الأولى.

وبهذه الطريقة ينتهي المقال الذي تناول قصيدة الطين ايليا ابو ماضي بعد أن مهدنا الطريق للقصيدة بالحديث عن الشاعر إيليا أبو ماضي وذكر أبرز محطات حياته ، ليكون المقال مرجعا وافيًا للمهتمين بالأدب عامة ودارسي القصيدة ومحبي شعر إيليا أبو ماضي خاصة.