الصيام في الإسلام

إنّ الصّيام من العبادات العظيمة الّتي فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده المسلمين وعلى من كان قبلهم من الأمم السّابقة، قال الله جلّ وعلا في الذّكر الحكيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.  وهو ركنٌ من أركان الإسلام الخمسة الّتي يقوم عليها، وهو فرضٌ على كلّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ مكلّفٍ ومستطيع، والصّيام هو الامتناع عن مفسدات الصّيام والمفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس، ويكون مفروضًا في شهر رمضان فقط، وقد فرضه الله تعالى على المسلمين في العام الثّاني للهجرة المباركة بعد أن كان المسلمون يصومون يوم عاشوراء والأيّام الّتي كان يخبرهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بفضلها فيصومونها، وصار صوم رمضان فرضًا، بينما صوم باقي الأيّام سنّةً مستحبّة، والله أعلم.

هل البخور يفطر الصائم

اختلف أهل العلم في حكم البخور إن كان استنشاق البخور والتّطيب به يفطر الصّائم ويفسد الصّيام أم لا، فمن المعروف أنّ هناك الكثير والكثير من المسائل الّتي يختلف بها كبار أهل العلم، واختلفت المذاهب الأربعة في حكم البخور في شهر رمضان المبارك إن كان يُفسد الصّيام أم لا يفسده، وسنعرض أقوال المذاهب الأربعة وأقوال علمائها فيما يأتي:

• المذهب الحنفي: أن استنشاق البخور ودفعه إلى الجوف عن قصدٍ يُفسد الصّيام ولا محالة في ذلك، وأمّا شمّه دون استنشاقٍ وعن طريق الصدفة والعبور فذلك لا يفسد الصّيام، حيث أنّه من الممكن للمسلم أن يتحرّز شمّه واستنشاقه والتّطيب فيه أثناء الصّيام.
• المذهب المالكي: لا يجوز للصّائم أن يستنشق البخور عن قصدٍ أو عن غير قصدٍ لأنّه يفسد الصّيام، ويجب على المسلم اجتناب البخور أثناء الصّيام لئلّا يفسد صيامه، ويُستثنى من ذلك صانع البخور لأنّ اجتنابه لذلك شبه مستحيل.
• المذهب الشّافعي: لا يضرّ الصّائم أن يشمّ البخور أو أن يستنشقه ما دام لم يصب جوفه شيء، وصيامه يكون صحيحًا بإذن الله تبارك وتعالى، أمّا إن أحسّ بأثره أو طعمه فإنّه يفسد الصّيام لو كان قاصدًا لذلك، أمّا إن غير ذلك فلا بأس ولا حرج.
• المذهب الحنبلي: يقول علماء هذا المذهب أنّ تعمّد استنشاق البخور ووصوله إلى الجوف يُفطر الصّائم، ويجب على المسلم الابتعاد عن البخور إن كان لا يأمن على نفسه أن يشمّه.

حكم استنشاق البخور في نهار رمضان

قال الشيخ ابن بازٍ رحمه الله تعالى بأنّ البخور وأيّ نوعٍ من العطور والطّيب لا يُفطر به الصّائم إن شمّه أو تطيّب به في نهار رمضان أثناء الصّيام، لكنّ الأفضل للمسلم ألّا يتعمّد شم البخور والعطر وذلك أحوط له فلا يُفطر بإذن الله تعالى، لكن لا بأس أن يستعمله ليطيّب به ثيابه وبدنه والله أعلم.

حكم استعمال البخور أثناء الصيام من غير استنشاقه

يجوز للمسلم عند كثيرٍ من أهل العلم أن يستعمل البخور أثناء الصّيام مع اجتناب استنشاقه عن عمدٍ وقصد، فالبخور ورائحته ليسا من مفسدات الصّيام إلّا أن تعمّد المسلم أن يُدخل دخان البخار إلى جوفه ورئتيه، فعندها يُفطر المسلم، أمّا إن استخدمه وطيّب بدنه وثيابه بها دون أن يتعمّد استنشاق رائحته فلا حرج عليه بذلك بإذن الله تبارك وتعالى.

الأنف وعلاقته بإفطار الصائم

إنّ الشّرع الحكيم والطّب يتّفقان على أنّ الأنف قناةٌ ممتدةٌ تصل إلى الحلق الّذي يعدّ الممّر الّذي يصل إلى المعدة والجوف، فإنّ أيّ ماءٍ أو دواءٍ أو الأشياء السّائلة إن مرّت عبر الأنف فإنّها تصل إلى الحلق ومنه إلى المعدة، لذا فإنّ ما يدخله يمكن أن يُفطر الصّائم، ولقد دلّ على ذلك حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي قال فيه: “وَبَالِغْ في الاستنشاق إلَّا أن تكونَ صائمًا”. [شرح مسلم/النووي/لقيط بن صبرة/3/105/صحيح] والله أعلم.